تُعَدّ الصواريخُ والقذائف الصاروخية إختراعًا حديثًا نسبيًّا، ولكن الحقيقة أنّ الأمر ليس كذلك إطلاقًا. حيث منذ فترة الصين القديمة كانوا يستخدمون القذائف الصاروخية كوسيلة للقتال وهذا حَدَثَ رأسًا بعد اختراع البارود [1]. بل أنّ الأسطورة تحكي عن نسّاخ (كاتب) صينيّ أَوْصَلَ 47 صاروخًا بكُرسِيّه وحاول بذلك الإقلاع إلى الفضاء.
في أيامنا هذه، يمكننا أن نجد صواريخًا وقذائف صاروخية، من جميع الأحجام والقياسات: بدءًا من شريحة إلكترونية بحجم الإصبع وعليها نُظّمت بعضُ المحرّكات الصاروخية، وإلى الصواريخ العملاقة التي كما هو مخطَّط سوف تأخذنا إلى المريخ [2]. لكي تفهموا كيف يعمل الصاروخ، تناولوا بالونًا وانفخوه ومن ثمَّ حرِّروه. بهذا سوف يطير البالون في اتّجاهاتٍ عشوائية إلى أن يَفرَغَ من الهواء. لماذا يسير البالون بهذا الشكل؟ عندما ننفخ البالون، فنحن بهذا نزيد كميةَ الهواء الموجودة بداخله. لكي نقرِّب الأمورَ أكثر، يمكننا أن ننظر إلى جُزيئات الهواء على أنّها مجموعة من الكُرات الصغيرة تتصادم بعضُها ببعض مثل كُرات البلياردو. عندما نقوم بتسريب الهواء إلى داخل البالون، نحن بذلك نزيد من عدد الجزيئات داخله ونقلِّص متوسّطَ المسافة بين جزيءٍ وآخَر مقارَنةً مع متوسط المسافة (ما بين الجزيئات) خارجَ البالون. بما أنّ هذا الوضع تكون فيه الجزيئات قريبة أكثر من بعضها، سوف تتصادم فيما بينها. في مجال الفيزياء، ننوِّه إلى أنَّ عدد تصادُمات الجزيئات لوحدة زمنية، يرتبط بخاصّة نطلق عليها اسم ’الضغط’. عندما يكون الضغط عاليًا أكثر هذا يعني حدوث المزيد من التصادمات – وبالعكس.
لو قمنا الآن بتخليص فتحة البالون، عندها سيؤدي عددُ التصادمات الكبير داخل البالون إلى أن تنضغطَ جُزيئاتُ الهواء مندفعةً خارجَ البالون؛ في الخارج سيكون متوسط المسافة أكبر ما بين جزيء وآخَر. أثناء خروج الهواء، يقوم بدَورِه بدفع البالون فيتحرّك البالون إلى الاتجاه المعاكِس لاتّجاه خروج الهواء [3]. إنّ مرونة فتحة البالون تسبِّب تغييرات مستمرّة لاتّجاه قوّة الدفع طوالَ عملية الحركة، وبالتالي سيطير البالون باتجاهات مختلفة مُتَّخِذًا مسارات مختلفة.
يشتغل المحرِّكُ الصاروخيّ بصورة مماثلة لما ذُكر. بدلًا من البالون، تُستخدم بشكل عام حاوية صلبة ومتماسكة تحتوي بداخلها على مادة يُطلق عليها - بلُغة مِهَنيّة – "مادة دافعة". كَوَّنا هذه المادة لنقوم بإطلاقها نحو الخارج بسرعة كبيرة، وهكذا نحصل على قوة الدفع. لدينا أكثر من طريقة واحدة تؤدّي إلى تسارُع حركة المادة الدافعة، والطريقة الأكثر شُيوعًا من بينها هي عملية الاحتراق. يرفع الحرقُ أو الإشتعال درجةَ الحرارة وكذلك الضغطَ داخل حُجرة الإحتراق، وبوسعنا استغلال هذين العاملَين لتحريك الصاروخ. يُسمّى الصاروخ الذي يعمل بهذا النمط "صاروخ كيماوي"، إذ أنّ عملية الحرق عبارة عن رد-فعل كيميائيّ. لكي يتمَّ الاحتراق فعليًّا، هناك حاجة لتوفُّر وقود ومؤكسِد وإنَّ اثنَيهما يكونان مَوجودان داخل الصاروخ ويشكّلان معًا مادة دافعة. لاحِظوا أنّنا عندما نقول بلغتنا اليومية "وقود صواريخ" ففي الحقيقة يُعنى بذلك "مادة-دافعة للصواريخ"، حيثُ أنّ الوقود هو فقط إحدى مكوِّنات المادة الدافعة.
في المثال المذكور، خرج الهواء من البالون عبر الفتحة. الصواريخ أيضًا تشتمل على فتحة، وبلُغة مهنية نُطلِق عليها اسم ’فُوَّهة ’. تمتلك الفوّهة شكلًا خاصًّا يُذكّرنا بالساعة الرملية: يبدأ شكلها يضيقُ إلى أن يصلَ "العنق" ومن بعدها يبدأ الشكل بالتوسّع [4]. تمَّ تصميم هذا الشكل بهدف استغلال واستخدام الصفة الحركية للغازات في سُرعات عالية من أجل إكساب الصاروخ تسارُعًا كبيرًا قدر الإمكان.
لدينا نوعان رئيسيّان من الصواريخ الكيماوية: صواريخ ذات مادة دافعة صلبة وصواريخ ذات مادة دافعة سائلة. تُعتبر الصواريخ المزوَّدة بمادة دافعة صلبة، الأبسطَ من بين النوعين؛ في هذا النوع من الصواريخ يتمّ خلط الوقود مع المؤكسِد فنحصل على مادة صلبة تُشبه – في كثير من الأحيان – المطاط. يتمّ انتقاء الشكل المرغوب لهذه المادة وتوضَع داخل حاوية، وعندما يحين الوقت يقومون بإشعالها.
إنَّ الأفضلية الكُبرى للصواريخ ذات المادة الدافعة الصلبة، هي مدى بساطتها. فهي لا تحتوي على مِضَخّات ولا أجزاء متحرِّكة، ويتمّ حفظها لفترة طويلة داخل المستودَع، ونسبيًّا من السهل تجهيزها بأحجام مختلفة. لذلك، إنّ معظم الصواريخ المُعَدّة لاستخدامات عسكرية، تكون مزوَّدة بمادة دافعة صلبة. إنّ أبرز سلبيَّتَين للصواريخ ذات المادة الدافعة الصلبة، هما الأداءات المنخفضة نسبيًّا للمحرِّكات (بفعل خواصّ المواد)، وعدم التمكّن من التحكّم بعملية الدفع. يستمرّ الصاروخ بالعمل إلى أن تنفد مادتُه الدافعة، ولا يمكننا تغيير قوة الدفع أثناء اشتغال الصاروخ، ولكن يمكننا أن نخطِّط مسبَقًا إلى وضعٍ فيه يتغيّر مقدارُ الدفع طوال عملية الإحتراق.
في الصواريخ ذات المادة الدافعة السائلة، يُحفظ الوقودُ والمؤكسِدُ في حالتهما السائلة (بشكل عام داخل حاويات منفصلة عن بعضها). أثناء اشتغال الصاروخ، يتمّ شفط الوقود والمؤكسِد وحقنهما إلى داخل حجرة الاحتراق التي فيها يتمّ حرقهما ونفثهما (إطلاقهما) إلى الخارج عبر الفُوّهة. توجَد أيضًا صواريخ فيها يوضَع الوقودُ والمؤكسِد مع بعضهما، وما تبقّى هو فقط نقلهما من حاوية التخزين إلى حجرة الاحتراق.
إنَّ الأفضليّة التي تمتاز بها الصواريخُ ذات المادة الدافعة السائلة، هي أنّها، على الغالب، تقدِّم لنا أداءات عملية عالية أكثر ممّا تفعله الصواريخ ذات المادة الصلبة، ويكون بالإمكان التحكم بمقدار الدفع الخاصّ بها. السلبية الكامنة في هذا النوع من الصواريخ، هي مدى تعقيده وتركيبه: تدعو الحاجةُ هنا إلى وجود مضخّات، شبكة أنابيب، أنظمة تحكُّم ومراقَبة، عَزْل، ووُجود أجزاء أُخرى خاصّة أُعِدَّت لتُناسِب التعامل مع مواد كريوجينية (التبريد العميق) ومواد أكّالة. جميعُ هذا، يُؤدّي إلى أنّ أغلب الصواريخ ذات المادة السائلة، تكون صواريخًا كبيرة، وبصورة عامّة تكون مخصَّصة لرحلات الفضاء.
في القسم الآتي ، سوف نتطرّق إلى نوعيّة المواد المستخدَمة وكيف نقيس الأداءات.
تأليف: الدكتور ڤيكتور تشيرنوڤ